للمرة الأولى منذ تاريخ إنشائها، تواجه وكالة "الأونروا" تحديات خطيرة في إنهاء عملها في إطار خطة إسرائيلية-أميركية لتصفية القضية الفلسطينية وشطب حق العودة، على اعتبار أن الوكالة تمثّل شاهدًا حيًّا على نكبة فلسطين عام 1948، وعلى حق العودة والتعويض المالي وفق القرار الدولي 194.

ويتداول في الأوساط الفلسطينية، أن الخطة التي يتم تطبيقها على مراحل تتضمن إضافة لمحاولة إنهاء عمل "الأونروا" وتصفية القضية الفلسطينيّة، تهجير سكان غزة عقب الحرب الإسرائيلية عليها وتمتد إلى ترحيل أبناء الضفة الغربيّة من خلال التصعيد العسكري ضدها، وتصل إلى فرض التوطين في دول الشتات ومنها لبنان.

وقد برزت ثلاث خطوات عملية على خط إنهاء عملها وتقويضها تدريجيًّا، ما دفع القوى الفلسطينية إلى استنفار جهودها للدفاع عنها والحفاظ على بقائها واستمرار عملها، رغم كل الاختلاف مع إدارتها، وذلك على قاعدة، "نختلف معها ولا نختلف عليها"، وهي:

1- دخول قرار الكنيست الإسرائيلي بحظر عملها في الأراضي الفلسطينية، بما فيها القدس المحتلة، حيّز التنفيذ، ما يعني عمليًّا حرمان اللاجئين من خدماتها كافة، في وقت هم أحوج ما يكونون إليها بعد الحرب الإسرائيلية الضروس على غزة والضفة الغربية معًا.

2- قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب وقف المساعدات المالية لها، والتي كانت تُقدَّر بنحو 350 مليون دولار أميركي، والضغط على العديد من الدول لاتخاذ خطوة مماثلة بوقفها أو تخفيضها إلى الحد الأدنى، وآخرها سويسرا منذ أسابيع قليلة، والتي كانت تقدّم نحو 23 مليون دولار أميركي، ما سيكون له تداعيات خطيرة ومباشرة على عمل الوكالة وبرامجها الأساسية والطارئة، ويُعمّق من فجوة التمويل في موازنة "الأونروا" المالية لعام 2025، التي تواجه عجزًا ماليًّا كبيرًا يهدد عملها.

3- ما طرحه المفوّض العام للوكالة، فيليب لازاريني، من خيارين خلال مشاركته في الاجتماع الرابع للتحالف العالمي من أجل تنفيذ حلّ الدولتين، الذي عُقد في مصر (17 شباط 2025)، بمشاركة 35 دولة ومنظمة:

أ- إمكانية السماح بانهيار "الأونروا" نتيجة تشريعات الكنيست الإسرائيلي وتعليق التمويل من قبل المانحين الرئيسيين.

ب- يتمثّل في "إنهاء ولاية الأونروا تدريجيًّا ضمن عملية سياسية يدعمها التحالف الدولي، بحيث يتم نقل خدماتها العامة إلى مؤسسات فلسطينية متمكنة ومستعدة"، مؤكدًا أن "هذا هو المسار الذي يتم التحضير له".

نهج جديد

وكشفت مصادر فلسطينية لـ"النشرة" أنه إزاء هذه المخاطر الجدية، فإن القوى الفلسطينية ستعتمد نهجًا جديدًا في التعاطي مع الوكالة وإدارتها، يتمثّل في المواءمة بين الحفاظ عليها، كون حضورها على مدار أكثر من 75 عامًا في المشهد الفلسطيني كان عبارة عن إعادة تأكيد وتوثيق للنكبة، وساهم في الحفاظ على قضية اللاجئين من الاندثار، وبين رفض تقليص خدماتها أو التملّص من تحمّل مسؤولياتها تحت ذريعة العجز المالي، قناعةً منها بأن التبرعات المالية لـ"الأونروا" ليست مِنّة من الدول، وإنما بهدف تحمّل المسؤولية السياسية.

استراتيجية وطنية

وتؤكد المصادر أن حماية الوكالة تعني الحفاظ على القضية الفلسطينية وحق العودة، ولذلك يتطلّب الأمر تحركًا وطنيًّا فاعلًا على المستويات السياسية والقانونية والإعلامية والدبلوماسية لضمان استمرار الوكالة في أداء دورها الحيوي حتى تحقيق العودة. وقد اقترحت قوى فلسطينية ضرورة وضع استراتيجية وطنية تكون قادرة على:

1- حماية "الأونروا" في أبعادها السياسية والقانونية والإنسانية.

2- تعطيل استراتيجية الاحتلال الإسرائيلي الداعية إلى تثبيت شرعيته في الأمم المتحدة.

3- التصدّي لمحاولات تبرئة الاحتلال من جريمة النكبة.

4- الرفض القاطع لأي مشروع يمكن أن يُفرغ قضية اللاجئين من محتواها السياسي ورمزيتها ومكانتها وثقلها القانوني.

5- رفع وتيرة المطالبة بالعودة كبديل عن الوكالة.

6- إبراز أن التبرعات المالية لـ"الأونروا" ليست مِنّة من الدول، وإنما بهدف تحمّل المسؤولية السياسية.

7- الدفع باتجاه أن تبقى هذه القضية حاضرة وبشكل دائم من قبل كافة المشارب السياسية الفلسطينية، كقضية وطنية تستحق أن تكون على رأس جدول أعمال المتابعات اللحظية.

8- الدفع باتجاه تحويل تبرعات الدول من مساهمات طوعية إلى مساهمات أساسية تقررها الجمعية العامة للأمم المتحدة ضمن موازنتها السنوية، بما يضمن توافر الحد الأدنى من الموازنة السنوية اللازمة لـ"الأونروا".

9- الدفع باتجاه توسيع ولاية الوكالة من خلال تعديل تعريفها للاجئ الفلسطيني، ليشمل كل فلسطيني تنطبق عليه صفة لاجئ بموجب القانون الدولي، حتى وإن كان غير مسجّل لديها.